تراجع المساعدات الدولية لغزة بعد وقف النار يفاقم الأزمة الإنسانية
يشهد قطاع غزة تراجعاً حاداً في المساعدات الدولية والتبرعات منذ إعلان وقف إطلاق النار، في مفارقة مؤلمة تكشف عن سوء فهم دولي لطبيعة الأزمة الإنسانية في القطاع.
تروي أسماء أحمد، وهي فتاة من غزة تعاني من إعاقة، كيف توقفت فجأة الكفالة الشهرية التي كانت تتلقاها من إحدى الجمعيات العربية خلال عامي الحرب. وتقول: "كأنهم اعتقدوا أن حاجتي انتهت بتوقف الحرب، لكن حياتي لم تتغير، ولا أزال أخضع للعلاج ولا أملك مصدر دخل".
واقع مأساوي يتجاهله المجتمع الدولي
رغم أن الهدنة بدت للكثيرين بمثابة فرصة لالتقاط الأنفاس بعد عامين من القصف المتواصل، إلا أن الواقع على الأرض يشير إلى مفارقة موجعة. فكلما خفت صوت المدافع، قل التضامن وتراجع الدعم، في وقت تتصاعد فيه معاناة الناس وتتعمق.
يؤكد العاملون في الإغاثة الإنسانية بغزة أن الدعم شهد تراجعاً كبيراً فور توقف العدوان، باعتقاد خاطئ لدى بعض الداعمين بأن توقف القصف يعني انتهاء الحاجة. لكن الواقع يؤكد أن الضرورات الأساسية من الإيواء والغذاء والرعاية الصحية والدعم النفسي بلغت ذروتها بعد توقف الحرب.
أرقام صادمة تكشف حجم الكارثة
تشير بيانات الأمم المتحدة إلى نزوح ما لا يقل عن 1.9 مليون شخص، أي نحو 90% من سكان قطاع غزة خلال الحرب، بعضهم اضطر للنزوح عشر مرات أو أكثر ويعيشون في خيام بالية دون أدنى مقومات للحياة.
كما تشير بيانات المكتب الإعلامي الحكومي إلى وجود:
- 56,348 طفلاً يتيماً فقدوا أحد الوالدين أو كليهما
- أكثر من 650 ألف طفل مهددين بسوء التغذية
- 21,200 أرملة فقدن المعيل
- 107 آلاف سيدة حامل ومرضع في خطر مباشر
- 19 ألف مصاب بحاجة إلى تأهيل طويل الأمد
- أكثر من 250 ألف عامل فقدوا مصدر رزقهم
مؤسسات الإغاثة تحذر من كارثة قادمة
يقول نضال جرادة، المدير التنفيذي لمعهد الأمل للأيتام: "التبرعات التي كانت تتدفق خلال الحرب تراجعت بوضوح مع الهدنة، رغم أن نهاية الحرب تمثل بداية المرحلة الأصعب، إذ تتضح الاحتياجات الأكثر عمقاً".
ويشدد على ضرورة استمرار الدعم وتوجيهه عبر المؤسسات الرسمية الموثوقة، لضمان وصوله إلى مستحقيه بشفافية وعدالة، مؤكداً أن استقرار التمويل شرط أساسي لاستمرار الدور الإنساني.
تحديات ما بعد الحرب
يوضح علي الديراوي، مدير مؤسسة المستقبل للتنمية والبيئة، أن الهدنة لم تعالج شيئاً من تبعات الحرب، وأن آلاف الأسر لا تزال نازحة وبلا دخل، والأعمال الحرفية متوقفة، والمدخرات تبخرت بفعل الغلاء وتراكم الديون.
ويحذر من أن "الحديث عن تحسن الأوضاع يعكس صورة مضللة للممولين في الخارج، ما يدفع بعضهم للاعتقاد بأن دورهم انتهى".
حملات تشويه تستهدف المساعدات
تحذر إسراء الشريف، مسؤولة الإعلام في مؤسسة "غزي دستك" التركية للإغاثة، من حملات التشويه التي تستهدف المتطوعين والداعمين وتتهمهم بالفساد، ما أدى إلى تراجع التبرعات وانكماش الثقة.
وتؤكد أن هذه الحملات "جزء من مسعى ممنهج لضرب ثقة العالم بأي جهة تقدم المساعدة لغزة، بهدف خنق آخر شريان دعم يصل للمدنيين".
خلاصة
تكشف هذه الأرقام والشهادات حجم الكارثة القادمة إن لم يستمر الدعم بكثافة. فغزة اليوم ليست بحاجة إلى "مساعدات طارئة" فحسب، بل إلى خطة شاملة للدعم والإغاثة وإعادة البناء، في ظل تراجع لافت للاهتمام الدولي منذ بدء الهدنة.
