تكريم الفنانين في أسماء الشوارع: نقاش حول العدالة الثقافية
مع التوسع العمراني المتسارع، تواجه البلديات تحديات في اختيار أسماء الشوارع والساحات العامة. وبينما تهيمن أسماء القادة السياسيين والعسكريين والمفكرين على خريطة المدن العالمية، يبقى حضور الفنانين محدوداً بشكل لافت.
غياب الفنانين عن الجغرافيا الحضرية
تكشف جولة في معظم العواصم العربية والعالمية عن نقص واضح في تمثيل الفنانين ضمن أسماء المرافق العامة. هذا الغياب يثير تساؤلات حول معايير التكريم المعتمدة، خاصة وأن الفن يشكل جزءاً أساسياً من الحياة اليومية للمواطنين.
من أم كلثوم إلى محمد عبد الوهاب، ومن فيروز إلى فريد الأطرش، تركت هذه الأسماء بصمات لا تمحى في الذاكرة الجماعية العربية، لكن حضورها في الفضاء العام يبقى محدوداً.
الفن كضرورة حضارية
يؤكد الخبراء أن الفنانين يلعبون دوراً حيوياً في تشكيل الهوية الثقافية للمجتمعات. فالموسيقى والسينما والمسرح ليست مجرد وسائل ترفيه، بل أدوات تهذيب وتثقيف تساهم في بناء الذوق العام وتعزيز التماسك الاجتماعي.
وفي هذا السياق، يبرز اسم الطيب الصديقي كرمز مسرحي مغربي، وفريد بلكاهية كرائد في الفنون التشكيلية، إلى جانب ملحنين كبار مثل عبد القادر الراشدي وعبد الوهاب الدكالي.
نحو إعادة تقييم معايير التكريم
يدعو المهتمون بالشأن الثقافي إلى إعادة النظر في آليات اختيار أسماء الشوارع، بحيث تعكس التنوع الثقافي والإبداعي للمجتمع. فتخليد أسماء الفنانين لا يقتصر على القيمة الرمزية، بل يساهم في تعزيز الهوية الثقافية المحلية.
وفي ظل التطور التكنولوجي الهائل، تبقى الأعمال الفنية الأصيلة أكثر استدامة من النصب والتماثيل، مما يجعل تكريم أصحابها استثماراً طويل المدى في الذاكرة الجماعية.
التحدي الثقافي المعاصر
يواجه هذا التوجه تحديات عدة، منها المقاومة المحافظة والنظرة التقليدية لمعايير التكريم. لكن الخبراء يؤكدون أن الفن عابر للحدود والثقافات، وأن تكريم الفنانين المحليين والعالميين يعكس انفتاحاً حضارياً مطلوباً.
من لويس أرمسترونغ إلى إيديث بياف، ومن مارلون براندو إلى حسن حسني، تشكل هذه الأسماء جسوراً ثقافية تربط بين الشعوب وتعزز التفاهم الإنساني.
في النهاية، يبقى السؤال مطروحاً: متى ستحصل الفنون على المكانة التي تستحقها في جغرافيا مدننا؟ الجواب يكمن في إرادة سياسية وثقافية تؤمن بدور الفن في بناء المجتمعات المتحضرة.